حوار خاص مع د. نجيب جبريل: الأمين العام لمبادرة معاً لأجل تهامة رئيس دائرة العلاقات والشؤون الخارجية باتحاد أبناء تهامة
د. نجيب جبريل في حوار خاص ل عدن الغد : لا شراكة حقيقية دون الاعتراف بتهامة كهوية وكيان سياسي مستقل
مقدمة الحوار:
في حوار خاص وجريء، يتحدث الدكتور نجيب جبريل، الأمين العام لمبادرة "معًا لأجل تهامة"، ورئيس دائرة العلاقات والشؤون الخارجية باتحاد أبناء تهامة عن القضية التهامية من منظورها الجذري كقضية هوية وحق تاريخي في تقرير المصير. يسلط الضوء على سلسلة المظالم التي تعرضت لها تهامة منذ قرن، بدءًا من الاحتلال الإمامي وحتى يومنا هذا، مرورًا بالتهميش والإقصاء والتمييز الممنهج.
وفي هذا الحوار، يوضح جبريل أن التهاميين لا يسعون إلى امتيازات، بل إلى شراكة عادلة وإدارة ذاتية تحفظ كرامة الإنسان التهامي وتعيد له دوره ومكانته. كما يتناول بوضوح موقفه من القوى السياسية اليمنية بما فيها الحوثيين والمجلس الرئاسي وأحزاب صنعاء، ويشدد على رفض مسمى "الساحل الغربي" باعتباره محاولة لطمس الهوية التهامية.
حوار يكشف الكثير من الحقائق، ويضع النقاط على الحروف في قضية لا تزال تبحث عن اعتراف وإنصاف، في ظل تعقيدات الحرب اليمنية وتقاطعات المصالح المحلية والإقليمية.
■دعنا نبدأ من السؤال الجوهري الذي يشغل الجميع: ما هي القضية التهامية؟
● هي قضية شعبٍ ذي تاريخ عريق وهوية أصيلة وثقافة فريدة، يسعى لاستعادة الاعتراف بتهامة كأمةٍ ذات سيادة، تتمتع بحق الإدارة الذاتية، وتطمح إلى علاقة سياسية عادلة تستند إلى خلفيات واستحقاقات تاريخية. وإن تعذّر ذلك، فإن حق تقرير المصير هو الخيار الحاسم.
■ عدد لنا بعض مظاهر المظالم التي تعرضت وتتعرض لها تهامة؟
● منذ احتلال جيش الإمامة الزيدية لتهامة قبل عقود وهي واقعة تحت احتلال طائفي ممتد مختلف الأشكال واحد المنهجية يتعامل معها كغنيمة حرب وأرض نهب وفيد وجباية، ويمارس ضد شعبها كل أشكال التمييز العنصري في مختلف الجوانب، حتى في الظلم والإعدامات والسجون. احتلت أرضنا وأسر وهجر وهمش أبطالنا من القوقر الأولى (في عهد يحيى حميد الدين) إلى القوقر الثانية (في عهد سنان أبو لحوم) إلى القوقر الثالثة (في عهد عبد الملك الحوثي وعلي عبد الله صالح). ومن أخطر الملفات نهب أراضي تهامة بعد أن أسمتها أنظمة صنعاء ب “أراضي الدولة"، ومُنحت لمتنفذين في أغلبهم مما يسميها البعض "الهضبة الزيدية". وقد اخترعت أنظمة صنعاء أساليب متنوعة لنهب أراضي تهامة مثل الهبات، منح الدولة، عطايا، تعويضات... الخ. وقد بلغ التمادي بالنظام في صنعاء أن دمج السجل العقاري (وهو الجهة القضائية المنوط بها حماية الأراضي) بهيئة أراضي وعقارات الدولة واستخدمها كأداة لنهب أراضي تهامة والجنوب. والمفارقة أن أنظمة صنعاء بعد ٢٦ سبتمبر ٦٢م أعادت الأراضي التي نهبتها الإمامة من القبائل في بقية المناطق إلى أصحابها، إلا الأراضي التي نهبت في تهامة، حيث أنشئت لأجلها مصلحة أراضي وعقارات الدولة بغرض استمرار مصادرتها. واليوم جاء الحوثي الذي يعتبر نفسه وريث الإمامة واستعاد تلك الأراضي وكأن "الجمهورية" حافظت للحوثي على الأراضي التي نهبها الإمام حتى يعود لها حفيد الإمام.
ليس ذلك فحسب، بل تعرضنا لموجات مستمرة من التجريف الممنهج لكل مظاهر الحياة: أقصينا بشكل ممنهج من صناعة القرار والمناصب العليا، بما فيها السياسية والدبلوماسية والأمنية والعسكرية والوظيفة العامة بمختلف مستوياتها. بل حتى المناصب على المستوى المحلي في تهامة توزع على مراكز القوى من خارج تهامة كترضيات وهدايا وأقصر الطرق لتحقيق الثراء. تعرضنا للتجريف الجغرافي بتقسيم تهامة بين عدة محافظات لإضعافها. تعرّضنا للإفقار الممنهج، رغم ما تتمتع به تهامة من موارد متنوعة وموقع استراتيجي. أحرقت مكتبة زبيد ونهبت أوقافها وتركت مخطوطاتها للنهب والتلف. طمس تراث وفن تهامة، بل وتم نسب بعضه أحياناً إلى مناطق أخرى (كما حدث مع الفن الحميني). تعرضنا للتجريف من الوظيفة العامة وللحرمان من التأهيل العلمي العالي، ما نتج عنه التعذر لنا ب"مابش معكم كوادر مؤهلة". نتعرض لمحاولات مستمرة لتشويه الهوية، بل وطمسها في بعض الأحيان والترويج لأفكار دخيلة تهدد الوسطية التي عُرفت بها تهامة.
■: وماذا يريد أبناء تهامة اليوم؟
● نريد الإدارة الذاتية والشراكة العادلة في السلطة والثروة بمختلف مستوياتها. عدد سكان تهامة من حرض وميدي وحتى باب المندب بين 6 – 7 ملايين نسمة، أي حوالي 20% من سكان الجمهورية اليمنية، أرضهم تتمتع بأهمية استراتيجية بالغة، وتمتلك ثروات وموارد متنوعة. لا نريد امتيازات خاصة، وإنما نسعى لحقوقنا المستحقة في تمثيل متناسب مع عددنا وأهمية منطقتنا. نريد دولة اتحادية رشيدة قائمة على مبدأ سيادة النظام والقانون لا السلاح والطائفية، والشراكة لا الوصاية. ونريد الاعتراف الكامل والاعتذار عن الجرائم والمظالم التي ارتكبت بحق شعب تهامة، نسعى لتحقيق العدالة لأبناء تهامة ولكل الشعب اليمني، فالعدالة شرط لازم للسلام الحقيقي، ويشمل ذلك تقديم المتسببين في إراقة دم الشعب وفي معاناته إلى محاكمات عادلة، ورد المظالم وجبر الضرر وعلى رأسها ما نهب من أراضي وأوقاف السكان الأصليين لتهامة بعد تسميتها زوراً "أراضي الدولة". ونسعى لأن تذهب تلك الأراضي بعد استردادها كمدن سكنية لصالح شباب تهامة وكمشاريع تنموية يستفيد منها شعب تهامة في المقام الأول.
■ تشهد الساحة التهامية انقسامات متعددة؛ برأيكم، ما مدى تأثير هذه الانقسامات على القضية التهامية؟
● التباينات والاختلافات ظاهرة طبيعية في أي شعب وفي أي مسيرة نضال. ووجود أكثر من مكون تهامي أمر طبيعي وصحي أيضاً، ولنا في تجربة الإخوة الجنوبيين مثال ملموس. التجربة تنضج والوعي بالقضية يترسخ يوماً بعد آخر. أين كنا وأين أصبحنا اليوم؟ كان مجرد نطق اسم تهامة جريمة واليوم أصبحت اسماً وقضية حاضرة في كل المحافل بفضل نضال وعمل متراكم من جيل الأجداد والآباء إلى جيل الشباب الحالي.
■ كيف تقيّمون دور الأحزاب السياسية في الملف التهامي؟ وهل كانت عامل دعم أم عائق أمام وحدة الصف التهامي؟
● دور أحزاب ومكونات صنعاء سلبي وقد خيبت آمال كل الشعب اليمني وليس شعب تهامة فقط. أما فيما يخص دورها في تهامة، فهي عامل تمزيق وتشتيت للصف التهامي، كون وحدة تهامة واستقلالها، تعني انتهاء الوصاية عليها. أطلق على أحزاب ومكونات صنعاء (الحوثي والمؤتمر والإصلاح، و"المجلس السياسي للمقاومة الوطنية") مجتمعة اسم "الشلل الرباعي لتهامة" كونها تشل تهامة عن الفعل السياسي المستقل، فكل واحد منها يمسك بطرفٍ من الجسد التهامي يشله ويمنعه من الحركة والنهوض. فبين من يحتل الأرض، ومن يتقاسم النفوذ، ومن ينتحل التمثيل ويجني المغانم باسم تهامة. أنا هنا أتحدث عن مراكز التحكم والسيطرة لتلك الأحزاب والمكونات وليس المنتمين الهامشيين لها، فكلهم يرون تهامة بقرةً حلوباً ولا أحد يعترف بتهامة ككيان سياسي مستقل.
■ ماذا عن المنتمين من أبناء تهامة لتلك الأحزاب والمكونات؟
●: أتمنى أن يسأل كل من المنتمين لتلك الأحزاب أحزابهم: هل يعترفون بتهامة وبحقها في إدارة شؤونها ذاتياً وفي الشراكة العادلة في السلطة والثروة؟ إن لم يستطع أحدهم انتزاع إجابة إيجابية واضحة وصريحة لهذا السؤال، ناهيك عن طرحه، فهو لا يمثل صوت شعب تهامة الحقيقي.
■ ما رأيكم في دور العميد طارق صالح في الساحل الغربي؟ وكيف تنظرون لانضمام عدد من القيادات التهامية إلى المقاومة الوطنية؟
● أولا دعني أصحح لك المسمى. هو ساحل تهامة وليس "الساحل الغربي"، وهذا الاسم الأخير ما هو إلا بدعة جديدة يقف خلفها مشروع غامض ونحن نرفضه جملة وتفصيلا. لا يمكن إطلاقاً أن يقبل أبناء حضرموت تسمية منطقتهم بالساحل الشرقي، وكذلك نحن في تهامة نرفض مسمى "الساحل الغربي" المشبوه ونتمسك بالاسم الأصيل "تهامة" و"ساحل تهامة"، لأنه يحمل دلالات تاريخية وثقافية وسياسية عميقة ويجسد هوية شعب أصيل مرتبط بتراثه، واستبداله يضعف هذا الانتماء ويمهد لطمس الخصوصية ويفتح الباب أمام الانقسام والتمييز داخل تهامة التي ظلت لحمة واحدة لآلاف السنين.
أما فيما يخص العميد طارق صالح، فبرأيي أن دوره المعلن شيء ومهمته الحقيقية شيء آخر. وعموماً يبدو أن منهجيته لا تنفصم كثيراً عن منهجية أنظمة صنعاء المتعاقبة في اعتبار تهامة تابعة وأبنائها قاصرين يجب أن يظلوا تحت الوصاية. وفيما يخص نظرتنا لانضمام عدد من القيادات التهامية إلى ما يسمى المجلس السياسي للمقاومة الوطنية، فهي لا تختلف كثيراً عن نظرتنا لمن انضم إلى أحزاب ومكونات صنعاء الأخرى كالمؤتمر أو الإصلاح أو الحوثية، رغم علاقتنا الطيبة واحترامنا لكثير منهم على الصعيد الشخصي.
وأرى أنه من مصلحة طارق ومن معه إن كانوا يريدون فتح صفحة جديدة أن يؤمنوا بتهامة ويشهدوا بأنه الساحل التهامي وليس الغربي، ويقروا صراحةً بحق أبناء تهامة في إدارة شؤونهم ذاتياً، مع حصولهم على حصة عادلة مركزياً، وان يكون العهد الذي بيننا وبينهم الدولة الاتحادية، فمن تركها فقد نكص عما توافقت عليه أغلبية الشعب.
■ نعود إلى الحوثيين، لماذا كان بطشهم مضاعفًا في تهامة؟ ولماذا هذه الوحشية؟
● كما أسلفنا، فإن تهامة تحتل موقعًا استراتيجيًا مهمًا، وتزخر بالموارد والخيرات المتنوعة، ما جعلها هدفًا لاحتلال جيش الإمامة الزيدية منذ عقود، ولتسلط وبطش أنظمة صنعاء المتعاقبة. وشعب تهامة ذو فكر وعقيدة وسطية، لا يقبل التطرف أو الغلو، ولهذا كان من أوائل الرافضين للمشروع الطائفي المتجدد، ولا يزال في طليعة مقاوميه. والحوثيون، كما أدرك أسلافهم وأحلافهم، يعلمون أن السيطرة على تهامة لا تكتمل إلا بتحييد رجالها وكسر إرادتهم. وهم يدركون أن استعادة أبناء تهامة لزمام الأمور في أرضهم ستكون كارثية على مشروعهم الطائفي والتسلطي، ولهذا يمعنون في البطش، ويرتكبون بحق التهاميين أبشع الجرائم. ومع ذلك فإنهم لن يفلحوا. والمؤسف أن مظاهر البطش لا تقتصر على وسط تهامة، بل تمتد إلى شمالها وجنوبها، حيث يعاني السكان من سياسات قمع وتهميش لا تقل فظاعة، وإن اختلفت الأساليب.
■برأيكم، ما أسباب تأخر عقد مؤتمر تهامي جامع يشرف عليه أبناء تهامة؟ وما أهمية عقد هذا المؤتمر في المرحلة الراهنة؟
● المؤتمر التهامي العام أو الجامع ضرورة لتوحيد تهامة خلف مشروع توافقي يظهر وحدة وقوة تهامة ويفرضها على المشهد بقوة. ولكن هناك أسباب داخلية وأخرى خارجية تعيق عقد المؤتمر. أهم تلك الأسباب ضعف الثقة بين القيادات والمكونات التهامية، نتيجة تراكمات سابقة أهمها ضعف الاتصال والتواصل الصريح، إلى جانب غياب مرجعية موحدة، وضعف الإمكانات، وانشغال البعض بالولاءات لأحزاب ومكونات صنعاء، وغياب مرجعية منهجية لإدارة الحوار التهامي التهامي وتقريب وجهات النظر. ومع ذلك، يزداد الوعي بأهمية عقد مؤتمر عام يعبر عن إرادة أبناء تهامة، يؤسس لمشروع جامع قائم على العدالة والشراكة والسيادة ويفرض الوجود التهامي في المعادلة الوطنية.
■: كيف تفسرون استمرار تهميش أبناء تهامة من قبل الحكومة الشرعية وحرمانهم من التمثيل في المناصب السيادية والإدارية؟
● أولاً، لو كنا نعيش في إطار إدارة دولة رشيدة قائمة على سيادة النظام والقانون والمواطنة المتساوية وتكافؤ الفرص لكان أبناء تهامة نالوا حقوقهم المستحقة. لكننا للأسف، نحكم في الأغلب بمنطق تتداخل فيه قوانين الغاب والعصابات والشللية والمناطقية والعنصرية التي كان أكبر ضحاياها أبناء تهامة. وهناك أسباب أخرى، أهمها غياب كيان سياسي موحد فاعل يمثل أبناء تهامة، والتبعية الحزبية العمياء من بعض الشخصيات التهامية الذين للأسف يتم تجاهلهم في التعيينات من أحزابهم ومكوناتهم. إضافة إلى تراكم إرث من النظرة الدونية والتجاهل التاريخي لأبناء تهامة، وغياب الإرادة السياسية الحقيقية لتصحيح هذا الخلل. وهناك عامل مهم آخر وهو ضعف الحضور الإعلامي والدبلوماسي لأبناء تهامة، ما ساهم في استمرار هذا التهميش. والحل يكمن في توحيد الصف التهامي وبناء قيادة سياسية قوية تفرض الشراكة العادلة.
■ هل هناك تواصل وتنسيق مع مختلف الشخصيات والقيادات التهامية في كافة المناطق، بهدف توحيد الموقف ورفع مستوى تأثير القضية التهامية على الساحتين اليمنية والإقليمية؟
● نعم، لدينا تواصلات دائمة مع كثير من الشخصيات والقيادات التهامية من كافة مناطق تهامة من حرض وميدي وحتى باب المندب. ونعمل مع المخلصين من أبناء تهامة على تطوير وثيقة مبادئ أسميناها "وثيقة تهامة"، تحتوي على المبادئ السياسية الأسياسية التي نعتقد أنها تحظى بأكبر قدر من التوافق التهامي، مع آليات تنفيذية مقترحة للعمل على توحيد الصف التهامي خلف تلك المبادئ. وقد اشترك معنا في صياغة وتطوير تلك الوثيقة نخبة من أبناء تهامة، سياسيين وأكاديميين وإعلاميين، ووجاهات اجتماعية، ومرأة وشباب. وقد وجدنا أنه متى ما وجدت تواصل فعال ومنهجية مرتبة وشفافة للحوار والنقاش وتقريب وجهات النظر، يمكن أن يصير الموقف التهامي أكثر تقارباً وتوافقاً واتحاداً.
■ تشمل تهامة جغرافيًا أكثر من 60 مديرية، إلا أن تقسيم الأقاليم أُدرِجت فيه بعض المديريات غير التهامية ضمن محافظات مثل ريمة والمحويت وحجة. كيف تنظرون إلى هذا التوزيع الإداري؟ وهل ترون أنه يشكل تهديدًا أو انتقاصًا من الحقوق التهامية ويؤثر على مسار القضية؟
● تقسيم تهامة قريب وتم بعد احتلال جيش الإمامة الزيدية وأنظمة صنعاء المتعاقبة والهدف منه إضعاف تهامة وتفريق دمها بين القبائل. لكن ما نلمسه اليوم من تماسك ووعي تهامي متصاعد من أقصى تهامة إلى أقصاها يؤكد فشل هذا المشروع التقسيمي. شعب تهامة يتمسك بضم مناطق تهامة الأصيلة التي ضمت قسراً إلى محافظات أخرى مثل ميدي، حرض، حيران، عبس، ملحان، المخا وغيرها، فهذه أرض تهامية خالصة، وأبناءها جزء أصيل من نسيج تهامة. لكنه يرفض بشكل قاطع ومطلق ضم مناطق من خارج جغرافية ونسيج تهامة إليها. منذ عقود، تستباح خيرات تهامة ويظلم ويقهر شعبها تحت ظل "الصرخات المتعددة" على مرأى ومسمع، ولا يمكن أن نسلّم رقابنا لهم باليد الثانية؟
■ هل تعتقدون أن توقيت اتفاق استكهولم جاء لإجهاض تقدم المقاومة التهامية أم أن هناك مخاوف من بروز دور تهامة في المشهد اليمني بعد التحرير؟
●: أعتقد أن هناك عدة عوامل خارجية وداخلية متداخلة أدت إلى ستوكهولم وأحدها التخادم الهضبوي وتبادل الأدوار لإتاحة الفرصة لطرف هضبوي آخر أن يلتقط أنفاسه و/أو يجهز طرف آخر نفسه ليكون هو الوصي والبديل عن أبناء تهامة في تصدر مشهد تحرير أرضهم وإدارتها بعد ذلك، على عكس ما هو حاصل في مناطق أخرى كالجنوب وتعز وحضرموت. لكن كل هذه الأوهام التسلطية ستفشل أمام وعي وصمود شعب تهامة.
■ كيف تقيّمون أداء مجلس القيادة الرئاسي في التعامل مع التحديات الاقتصادية والسياسية الراهنة؟ وهل ترون أنه أظهر قدرة حقيقية على معالجتها؟
●لم يُظهر حتى الآن قدرة حقيقية على معالجة أية تحديات، وأظنه أنه لن يفعل. رغم تفاؤلنا في البداية بالمجلس، إلا أنه خيب الآمال وأظن أنه آن الأوان لاستبدال ال 8 ب 2: رئيس من الجنوب ونائب من الشمال. أكبر أسلحة الحوثي من وجهة نظري ليس الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة، بل عدم كفاءة أو فساد أو ضعف الشخوص الذين يملأون هيكل الشرعية والذين أفقدوا كلمة الشرعية مضمونها وجعلوها مادةً للتندر وجعلوا الشعب والإقليم والمجتمع الدولي يفقد الثقة فيها. تصور أنه منذ 10 عشر سنوات لم يستطيعوا تحرير قطاع الاتصالات المهم جداً من قبضة الحوثي، هذا أبسط مثال. ناهيك عن آلاف الموظفين في الخارج ممن يستلم شهرياً بالدولارات وأقصى أعمال بعضهم منشورات (وبعضها محايدة) على وسائل التواصل الاجتماعي، بينما يسقط المعلم في الفصل جوعاً وتتعفن جراح الأبطال في الجبهات.
■لماذا برأيكم لا تحظى الانتهاكات التي يتعرض لها أبناء تهامة بالتغطية الإعلامية الكافية، أسوة بمناطق أخرى؟
●: تهامة عانت طويلاً من التهميش حتى في الخطاب الإعلامي، ما جعل قضاياها خارج دائرة الاهتمام الوطني والدولي، ناهيك عن أن الإعلام اليمني بمعظمه واقع تحت تأثير أحزاب أو قوى خارجية تركّز تغطيتها على مناطق تتقاطع مع مصالحها، فيما يتم تجاهل تهامة. أيضاً، تهامة تفتقر إلى أدوات إعلامية فاعلة تعبّر عن صوتها وتنقل معاناة أبنائها، في ظل غياب المؤسسات الصحفية المستقلة، وانعدام الدعم للصحفيين المحليين. وكما يُقال: "ما حك جلدك مثل ظفرك"، فإن كسر هذا الحصار الإعلامي الظالم يتطلب وجود إعلام تهامي مستقل، ودعم الكفاءات الصحفية المحلية، وتمكينها من إيصال صوت تهامة إلى المنصات الوطنية والدولية. أعتقد أيضاً أن وسائل التواصل الاجتماعي تمثل فرصة مهمة أمام شباب تهامة، ويمكنهم استثمارها بشكل فعّال للدفاع عن قضيتهم، وكشف ما تتعرض له منطقتهم من انتهاكات وتهميش مستمر.
■هل لمستم أي تفاعل أو تحرك من قبل المنظمات الحقوقية الدولية تجاه ما يتعرض له أبناء تهامة من انتهاكات؟ وإن لم يكن، فما الأسباب برأيكم؟
●: للأسف، لم نشهد أي تفاعل جاد أو ملموس منها تجاه ما يتعرض له أبناء تهامة من انتهاكات ممنهجة ومستمرة. وهذا الصمت لم يعد يُفسَّر فقط بالإهمال أو ضعف التوثيق، بل أصبح يرقى إلى مستوى التواطؤ غير المباشر، خاصة حين يتعلق الأمر بمعاناة شعب كامل يُقصى من الاهتمام لمجرد أنه خارج دوائر النفوذ السياسي أو الإعلامي. تلك المنظمات الحقوقية الدولية هي نفسها التي استنفرت بقضها وقضيضها عندما كانت مليشيا الحوثي على وشك أن تخسر ميناء الحديدة، لما ادعت أنه مخاوف على الجانب الإنساني. لكن بعدما أصبح ستوكهولم غطاءاً لأبشع الممارسات التي ترتكب ضد شعب تهامة، لم نسمع لها همسا. وأعتقد أن السبب الأساسي لهذا التجاهل هو أن تهامة لا تملك لوبيات سياسية أو إعلامية تُحرّك الملف، ولا منظمات محلية موالية لقوى نافذة تضعها على خارطة التقارير الحقوقية. هذه الحقيقة المؤلمة تُلزمنا نحن أبناء تهامة بأن نُعيد بناء أدواتنا الإعلامية والحقوقية من الصفر، وأن نفرض قضيتنا على الطاولة فرضاً، دون انتظار تعاطف انتقائي أو عدالة مؤجلة من جهات لا ترى إلا ما تريد أن ترى.
■ما مدى جدية القيادات التهامية في تجاوز الخلافات وتوحيد الصف من أجل تمثيل تهامة بشكل أقوى في المشهد الوطني؟
●: لنكن صريحين، ما زال الأداء العام للقيادات التهامية دون مستوى التحديات التي تواجه تهامة. على الرغم من إدراك الجميع لحجم المظالم التاريخية والتهميش الذي تعرضت وتتعرض له تهامة، ولحاجة أبنائها إلى تمثيل موحد وقوي في المشهد الوطني، إلا أن خطوات توحيد الصف ما زالت بطيئة، وغالباً ما تتعثر عند أول اختبار حقيقي. السبب لا يكمن في اختلاف الأهداف، فالجميع يتفق نظرياً على ضرورة استعادة حقوق تهامة السياسية والتنموية، بل في غياب الإرادة الجماعية والآليات الفعالة لتجاوز النزعات الشخصية والحزبية التي أضرت بالقضية أكثر مما خدمتْها. حالياً، هناك محاولات مشكورة، وهناك قيادات صادقة تعمل بصمت، لكن ما نحتاجه اليوم هو حسم في الموقف: إما أن تتقدّم القيادات التهامية إلى مستوى طموحات شعب تهامة، أو أن تفسح الطريق لجيل جديد قادر على حمل الراية دون تردد أو حسابات ضيقة. تهامة اليوم بحاجة إلى مشروع سياسي موحد، وإرادة صلبة، وصوت واحد يفرض وجوده في كل منبر وقرار. فبدون ذلك، سنظل ندفع ثمن التشتت، فيما تستمر الأطراف الأخرى في تجاهلنا أو ممارسة الوصاية علينا دون وجه حق.
■وكيف تنظرون لموقف التحالف العربي؟
●: نُقدّر كثيراً الدعم الذي قدمه ويقدمه التحالف العربي في كل المجالات وخصوصاً المجالات التنموية وبناء الأرض والإنسان، ونرى في الأشقاء والجيران العرب سنداً وأصحاب تاريخ ومصير مشترك، ونرفض الخطاب الزائف الذي يحاول شيطنتهم في أذهان الأجيال، ونبذل جهدًا كبيرًا لتفكيك هذا الوعي الزائف من أذهان الجيل التهامي.
■ بين الحين والآخر تدور أحاديث عن عملية سلام شاملة في اليمن، ما موقفكم من ذلك؟
●: نحن مع السلام العادل الذي يُنصف تهامة والوطن بأسره. سلام يقوم على المرجعيات الثلاث المعترف بها، ويؤسس لدولة اتحادية حقيقية، قائمة على سيادة القانون، والمواطنة المتساوية، والعدالة في تقاسم السلطة والثروة. دولة تُمكّن تهامة من إدارة شؤونها ذاتياً، وتمنح أبناءها حقهم في الشراكة الكاملة في مختلف مستويات القرار. لكن هذا السلام لن يُصنع بالأمنيات أو العواطف، بل يتطلب إرادة سياسية صادقة، ومسؤولية وطنية شجاعة، والأهم من ذلك وجود ضمانات قوية تَحول دون العودة إلى المربع الأول، أو ما هو أسوأ منه. ومن أهم تلك الضمانات:
•العدالة الانتقالية التي تُنصف الضحايا وتُعاقب الجناة،
•نقل العاصمة إلى مدينة جديدة ذات محيط يتسم بالانفتاح والتعايش واحترام النظام والقانون،
•بناء جيش وطني موحد يعكس التوزيع السكاني لكافة أقاليم الدولة الاتحادية،
•وتمكين الأقاليم، وفي مقدمتها تهامة، من إدارة شؤونها ذاتياً على المستويات الأمنية، الإدارية، والاقتصادية.
بدون هذه الضمانات، فإن أي حديث عن سلام سيكون مجرد استهلاك سياسي، يُعيد إنتاج الظلم والتهميش بصيغ جديدة.
■ كلمة اخيره قي نهاية الحوار
●تهامة اليوم غير الأمس، وشعبها قد شبّ عن الطوق، ولن يقبل بالتهميش أو الوصاية، ولن يتنازل عن حقوقه.
كما أدعو إلى التخلي عن أوهام الماضي التسلطية والانطلاق نحو مستقبل من السلام، والاستقرار، والتعايش، والدولة الرشيدة التي تحترم الإنسان وتبني الأرض. لتكن حربنا كجيراننا: حرب تحقيق الأمن والبناء والكرامة والتنمية، لا الدمار والصراع والفساد.
يكفي الشعب اليمني ما عاناه من حروب ودمار وآن الأوان أن ينال هذا الجيل حقه في الحياة والتعليم والصحة والكرامة. بينما يتقدم العالم في الذكاء الاصطناعي والابتكار، ما زلنا نُقاد إلى الجهل والخرافة والفقر. لقد حان الوقت لنقولها بصدق: إلى هنا وكفى.