بعد سنوات من الحرب المدمرة التي عصفت باليمن، وألقت بظلالها الثقيلة على كل بيت وكل مدينة، بات واضحًا للجميع أن الرهان على الخارج وحده لإنهاء الأزمة لم يثمر سلامًا حقيقيًا. ومع تعدد المبادرات الإقليمية والدولية، بقيت البلاد في دوامة من العنف والتشظي والانهيار، يدفع فيها الشعب الثمن من دمائه ولقمة عيشه وكرامته. وفي هذا السياق، تبرز مبادرة "مؤتمر الحوار اليمني – اليمني للسلام" كأمل واقعي وفرصة حقيقية لإخراج اليمن من محنته.
هذه الدعوة التي تبناها مجموعة من الشخصيات الوطنية، في مقدمتهم الرئيس الأسبق علي ناصر محمد والشيخ محمد أبو لحوم، ليست سوى صدى لصوت الشعب اليمني الذي أنهكته الحروب، ويتطلع إلى حياة كريمة في وطن آمن يتسع لجميع أبنائه. المبادرة تقوم على ثوابت وطنية واضحة لا تقبل المساومة: الهوية اليمنية الجامعة، الدولة الاتحادية الديمقراطية، السيادة الكاملة، والعدالة الاجتماعية.
سلام لا يُفرض... بل يُصنع بأيدي اليمنيين:
-------------------
ما يميز هذه الدعوة أنها لا تأتي من عواصم القرار الإقليمي أو الدولي، بل من داخل اليمن ومن ضمير نخبه السياسية والاجتماعية. إنها دعوة إلى أن يصنع اليمنيون سلامهم بأيديهم، عبر حوار مسؤول وشجاع، يجمع كل مكونات المجتمع من شماله إلى جنوبه، دون إقصاء أو تهميش.
أهداف واضحة، وآليات ممكنة
-----------------------------------
تسعى المبادرة إلى إنهاء الحرب، وتشكيل سلطة انتقالية موحدة، وإطلاق سراح الأسرى، وفتح الطرقات، وتوحيد المؤسسات الاقتصادية والعسكرية، وصولًا إلى مصالحة وطنية شاملة. وهي لا تكتفي بالشعارات، بل تضع آليات تنفيذية واضحة، تبدأ بتشكيل فريق سياسي للتواصل، ولجنة تحضيرية، وتنتهي بمؤتمر جامع يقرر مصير اليمنيين جميعًا.
القضية الجنوبية: نحو حل عادل في إطار وطني:
--------------
واحدة من نقاط القوة في هذه المبادرة أنها تضع القضية الجنوبية في صميم المعالجة، وتسعى لحلها بشكل عادل وشامل، ضمن إطار الدولة الاتحادية، وبما يضمن شراكة حقيقية في السلطة والثروة، واحترامًا لتضحيات أبناء الجنوب وتطلعاتهم.
دعوة إلى كل يمني حر
إن هذه المبادرة ليست ملكًا لأحد، بل نداء لكل يمني غيور على وطنه، من مختلف المشارب والانتماءات. إنها دعوة للعقلاء، لرجال السياسة والقبيلة، للمثقفين والناشطين، للنساء والشباب، كي يلتفوا حول كلمة سواء، ويتجاوزوا خطاب الكراهية والتخوين، ويضعوا مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.
اليمن لا يحتاج إلى مزيد من الوسطاء، بل إلى إرادة يمنية حرة وشجاعة تتخذ القرار الصعب: أن نتحاور... لا أن نتحارب.
ختامًا
إن التاريخ سيذكر من وقف مع الوطن، كما سيلعن من أصر على تمزيقه. أمامنا اليوم فرصة، قد تكون الأخيرة، لنرسم ملامح يمن جديد بالسلام لا بالرصاص. فهل نمتلك الشجاعة لنغتنمها؟