آخر تحديث :الجمعة-13 يونيو 2025-04:45م

ازدواجية التشجيع بين عشق المنتخب وانتماء الأندية..

الخميس - 12 يونيو 2025 - الساعة 10:16 ص
أ.د مهدي دبان

بقلم: أ.د مهدي دبان
- ارشيف الكاتب


أ.د مهدي دبان


حتى فترة ليست ببعيدة، كان مشهد كرة القدم في البطولات الكبرى مثل كأس العالم أو بطولة أوروبا أو حتى التصفيات، مشهدا نقيا خالصا للمتعة. كان جمهور الكرة يتجه تلقائيا نحو منتخب معين، ينجذب لألوان الشمس البرازيلية، أو رقصات التانجو الأرجنتينية، أو انضباط الماكينات الألمانية، أو أناقة الديوك الفرنسية، أو صلابة الكاتيناتشو الإيطالية. لم يكن يهم حينها من يمثل هؤلاء اللاعبين من أندية، فالعاطفة كانت موجهة بالكامل نحو المنتخب، والانتماء والتشجيع كان للقمصان الوطنية ...


كانت البطولات حينها فرصة للاستمتاع، للفرجة، للهروب من ضغوط الحياة، دون توتر نفسي أو صراعات داخلية. كل شيء كان بسيطا، جميلا، صافيا...


أما اليوم، فقد اختلف المشهد تمامًا...أصبحنا نرى مشجعا يختار منتخبا يشجعه، لكن قلبه لا يطيق بعض لاعبيه لأنهم من "نادي العدو". وآخر يحب لاعبا في ناد معين، فيجد نفسه مشدودا لتشجيع منتخب ذلك اللاعب، حتى وإن كان المنتخب نفسه ينافس المنتخب الذي كان يعشقه منذ الطفولة.


صرنا نرى منتخبات لم يكن لها ذكر في ذاكرة التشجيع، أصبح البعض يتعاطف معها فقط لأنها تضم لاعبين من أندية محببة. أصبح الانتماء للمنتخبات مشوشا، مشطورا بين عشق قديم وولاء جديد.


تسللت الازدواجية إلى قلوب المشجعين، وصار المشجع يشجع أربعة منتخبات في بطولة واحدة! لأن "لاعبي فريقي المفضل" موزعون بينها. تجده يجادل، يهاجم، يدافع... لا عن المنتخبات، بل عن لاعبيه. وكما يقول إخوتنا : صار التشجيع "مخضرية"!


لكن الحقيقة التي يجب أن نتذكرها دائما: التشجيع مثل اللعب، له ضوابط وأصول. عندما يتعلق الأمر بالمنتخبات والدول، يجب أن نتجرد من انتماءات الأندية. وعندما نشجع نادينا، لا يجب أن نمزج ذلك بالولاء القومي.


أعرف شخصا ظل يشجع الأرجنتين منذ أيام كيمبس و باساريلا و مارادونا، ولكنه تخلى عنهم فقط لأن ميسي انضم للمنتخب وهو "ريالي"! وآخر كان من عشاق البرازيل، لكنه تركهم حين انتقل "الظاهرة" رونالدو من برشلونة إلى ريال مدريد! لانه برشلوني ..


فأي تشجيع هذا؟ وأي انتماء هذا؟

إن كرة القدم أكبر من أن نحصرها في قميص ناد، وأجمل من أن نلوثها بتعصب أعمى. هي لغة العالم، وملاذ العشاق، وهي لحظات الفرح والدموع التي توحد الشعوب. فلنعد إلى صفاء التشجيع، لنشجع المنتخبات من القلب، لا من خلال الأندية. لأن حب كرة القدم... لا يقاس بالألوان، بل بالانتماء الصادق.