آخر تحديث :الخميس-12 يونيو 2025-08:24م

محمد حسين عشال.. القائد الذي اختار الموت واقفا على أن يعيش راكعا

الأربعاء - 11 يونيو 2025 - الساعة 11:39 ص
د. قاسم الهارش

بقلم: د. قاسم الهارش
- ارشيف الكاتب


في العاشر من يونيو 2015، خسر اليمن واحدا من أنبل رجالاته وأكثرهم وفاء للثوابت الوطنية. برحيل القائد محمد حسين عشال الذي اغتالته رصاصات الغدر في تعز المدينة التي احتضنته مقاتلا ومربيا وملهما كما احتضنها هو بقلبه وسلاحه وموقفه.


لم يكن عشال مجرد قائد عسكري ميداني بل كان نموذجا فريدا لقائد مدني بروح المحارب لا يتردد في التقدم إلى الصفوف الأولى حين تتراجع القيادات ولا يساوم على القيم عندما تعرض الأثمان.


لقد عرفه رفاقه وأبناء مجتمعه رجلا صلبا في الموقف لينا في المعاملة شجاعا بغير تهور حكيما دون تردد. جسد عشال أخلاق القيادة كما يجب أن تكون فلم يعل على الناس بل كان واحدا منهم يشاركهم الهم والحلم والأمل ويقف بينهم لا فوقهم.


منذ اللحظة الأولى لانقلاب ميليشيا الحوثي في خريف 2014، لم ينتظر عشال توجيهات من سلطة ولم يبحث عن موقع في واجهة الأحداث. انطلق مدفوعا بضميره الوطني مسنودا بقيمه الثابتة مؤمنا بأن اليمن لا يحكم من الكهوف ولا يدار من وراء البحار. رفض مشروع السلالة والتبعية ووقف في وجه الطائفية المسلحة وهو يعلم أن ثمن ذلك قد يكون حياته. لكنه اختار أن يموت واقفا على أن يحيا منبطحا تحت رايات الغلبة الزائفة.


كان رحمه الله من القلة الذين جمعوا بين الصدق في الكلمة والوضوح في الموقف والنقاء في السلوك. لم يعرف عنه أن بدل بوصلته أو راوغ في قضية أو انحاز لمصلحة على حساب المبادئ. وحينما كثر المتلونون في زمن الغموض كان عشال بوصلة مضيئة يذكر الناس أن الحق لا يحتاج إلى مواربة وأن القيادة لا تكون بالصوت العالي بل بالفعل النقي.


ولد محمد حسين عشال في مديرية مودية بمحافظة أبين غير أن انتماءه لليمن لم يحده مسقط رأس أو إطار مناطقي. فقد كان ابنا لليمن الكبير وابنا لكل قضية عادلة ولكل مظلوم يتطلع للإنصاف.


وعندما اطلقت تعز استغاثتها في وجه الحصار والقمع كان من أوائل من لبوا النداء حاملا بندقيته وقيمه وعزيمته. لم ينتظر شكرا من أحد ولا مكافأة من جهة. وكان حضوره في الجبهات رسالة سياسية بليغة أن الدم اليمني واحد وأن من يؤمن بالجمهورية لا يخذلها حيثما نادت.


استشهاد محمد حسين عشال لم يكن مجرد خسارة ميدانية أو فراغا في جبهة بل كان فقدانا لنموذج فذ في النزاهة والانضباط الوطني. كان يجمع بين الحسم في القرار والتواضع في التعامل. لم يعرف التكبر وكان يستمع لصوت البسطاء كما يستمع لصوت القيادات.


لقد آمن عشال بأن السياسة يمكن أن تكون نظيفة وأن المسؤولية أمانة لا مكسبا وأن الوطن أغلى من الذات وأكبر من كل الحسابات الضيقة.


اليوم وبعد مرور عشرة أعوام على استشهاده لا نكتب رثاء عابرا بل نستدعي نموذجا نحتاجه في زمن الارتباك والضبابية. نستحضر شجاعته حين تخفت الأصوات الصادقة ونزاهته حين يطغى الفساد وثباته حين تتهاوى المواقف. نستذكره كي لا ننسى أن في تاريخنا من لم يخن ومن لم يساوم ومن لم يبدل.


إن الوفاء لعشال لا يكون بالبكاء عليه بل بالسير على دربه ورفع ذات الراية التي ظل ممسكا بها حتى لحظة استشهاده. راية الوطن الذي لا يختزل في جماعة ولا يدار بالولاءات العابرة ولا يبنى بالخطابات المفرغة من العمل.


سلام على روحه الطاهرة وسيرته البيضاء ودروسه الحية التي لا تغيب.

سلام على المجد الذي لا يموت وعلى القادة الذين يمضون لكن تظل خطاهم تنير الطريق لمن تبقى.