يا ربّ…
في يومٍ من أعظمُ أيام الأرض،
في يومٍ ترفرف فيه أرواح الملايين فوق عرفات،
في يوم تُغفر فيه الذنوب، وتُقبل فيه التوبات،
في هذا اليوم العظيم… كانت غزة غائبة عن الجموع، لكنها حاضرةٌ في السماء بصوت لا يُنسى…
ماذا لو حضرت غزة الوقوف بعرفة ؟
ماذا لو صعدت أكفّها المضرّجة بالدماء بدل الأكفّ البيضاء؟
ماذا لو خالط صوت تكبير الحجيج، أنينُ الأمهات على أشلاء أطفالهن؟
ماذا لو اصطفّت مع الحجيج أمٌّ فقدت زوجها وولدها، تُناديك:
"يا رب… لم يبق لي أحد، ولم يبق من الدنيا شيء، أأكون منسيّة في هذا اليوم أيضًا؟!"
يا ربّ،
بينما الحجيجُ يلبسون بياض الإحرام،
كانت غزة ترتدي الاكفان... لا طهارةً، بل طعنًا وخذلًا…
وبينما الحجيج يتركون زينة الدنيا عن طواعية،
غزة لم تُخيّر، بل نُزعت منها البيوت، والثياب، والدفء، والخبز…
وبينما الحجيج يطلبون المغفرة،
غزة تطلب الحق في الحياة…
أن تبقى فقط… أن تُبعث من تحت الركام!
يا من تقفون على عرفات،
أتدرون من لم يحضر بينكم؟
غزة… غزة التي لم تقدر أن تخرج من خنادق الحصار،
غزة التي كانت تودّ لو تلبي "لبيك اللهم لبيك"،
لكن الصواريخ كانت أسرع من صيحات التلبية…
لذلك، لبتْ لله بدمها، بترابها، بأشلاء أطفالها…
أيها المسلمون في عرفات وفي كل مكان…
هل ذكرتم غزة في دعائكم؟
هل ذكرتم الطفل الذي وُلد مقطوع الرأس؟
هل ذكرتم الجنين الذي خرج من بطن أمه شهيدًا؟
هل ذكرتم البيوت التي سوّيت بالأرض على رؤوس ساكنيها؟
أم أن دم غزة أخفُّ من غبار أقدامكم على جبل الرحمة؟!
يا ربّ…
غزة لا تسألك مالًا،
ولا رفاهًا،
ولا ثياب عيد…
غزة تسألك عدلًا…
غزة تسألك:
"لماذا لم تُكسر الأبواب لأجلي؟
لماذا تُغلق الحدود حين أُذبح؟
لماذا جيوش المسلمين ترابط في الثكنات، لا عند أسوار داري؟
لماذا دماء أطفالي لا تُثير إلا المؤتمرات الباردة والبيانات المخزية؟
لماذا يبتسم حكّام العرب وهم يصافحون قاتلي؟"
لماذا تدفع الأموال لمن يدعم المجرمين بالسلاح ؟
يا ربّ…
هؤلاء الحكّام الذين تواطأوا بالصمت،
الذين مدّوا أيديهم للقتَلة، ودفعوا لهم الجزية
الذين أغلقوا الحدود، ومنعوا الدواء،
الذين تآمروا باسم السيادة، وشاركوا في الجريمة باسم "السلام"،
أفلا تسألهم يا رب عن صرخاتنا؟
عن أنيننا تحت الأنقاض؟
عن قوافلنا التي قُطعت، وأحلامنا التي أُعدمت؟
أفلا تحاسبهم يا ربّ على خيانة الأمة؟
يا حجّاج بيت الله…
قوموا لله بحق دماء غزة،
لا تجعلوا عرفات مكانًا للدعاء فقط، بل للموقف…
اجعلوا دموعكم تسقي شجرة العدل، لا شجرة العجز…
لا ترفعوا أكفكم إلا واسم غزة يعلوها،
ولا تذكُروا أنفسكم قبل أن تذكُروا من ماتوا جوعًا، وعاشوا تحت النار شهورًا بلا ملجأ.
أيها المسلمون…
ما فائدة عرفات إن لم تُرفع فيه راية المظلوم؟
ما قيمة التكبير، إن لم يكن خلفه قلبٌ يغضب للدم المسفوح؟
وما نفع آلاف الركعات، إن كان أصحابها يُسلمون غزة للذبح باسم العقلانية والسياسة؟
غزة لا تريد شفقتكم،
ولا دموعًا على الشاشات،
بل أفعالًا…
نصرةً…
مواقفًا…
غزة لا تريد خطبًا في المساجد،
بل رجالًا يفضحون المتواطئين،
ويكسرون أصنام الصمت والجبن،
ويحملون شرف الدفاع عن دمها على أكتافهم.
يا أمة محمد…
إن لم تذكروا غزة في يوم عرفة، فمتى؟
إن لم تنصروها وأنتم ترفعون الدعاء، فمتى؟
إن لم تبكوا لها اليوم، فمن تبكون له إذًا؟
---
غزة تناديكم في يوم الحج الأكبر…
فلا تكونوا من الذين قالوا: "ربنا اغفر لنا"، وتركوا إخوتهم للذبح.
كونوا من الذين قالوا: "ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين"،
ثم خرجوا من عرفات لنصرة المظلوم، وكسر القيد، وفضح الخونة،
ولبّوا نداء غزة… ولو بكلمة حق لا تموت.
—
✍️ عبدالعزيز الحمزة.
يوم عرفة ٩ ذي الحجه ١٤٤٦هـ
الخميس ٥ يونيو ٢٠٢٥م