آخر تحديث :السبت-14 يونيو 2025-12:21م

المواطن اليمني... رائد العصر في زمن الظلام*

السبت - 31 مايو 2025 - الساعة 10:15 م
أ.د مهدي دبان

بقلم: أ.د مهدي دبان
- ارشيف الكاتب



*أ.د مهدي دبان*


في هذا العالم المتسارع، لا تجد مواطنا يواكب التطورات وأحدث الابتكارات في مجال الطاقة البديلة كما يفعل المواطن اليمني. إنه ليس مجرد مواكب، بل هو رائد استثنائي، يسير بخطى جبارة في دروب وعرة، بحثا عن النور والراحة وسط الظلام الدامس.


بدأ المشوار بالمولدات الكهربائية، وكانت أولى الخطوات على درب الاستقلال الطاقي، لكن سرعان ما تحول هذا المسار إلى معركة حقيقية مع ارتفاع أسعار الوقود، لتبدأ الرحلة المضنية بالمروحة الشحن، والأشرطة LED، ثم الشواحن (الانفرتر) التي تحول التيار المستمر إلى متردد والعكس، فدخل المواطن مجبرا مضمارا تقنيا معقدا استنزف كل طاقاته..


استوردت البلاد الملايين من أجهزة "الميكروتك" و"السوكام" الهندية، ورافق ذلك شراء البطاريات باهظة الثمن سواء السائلة أو المعجونة، ولم يتوقف الحراك عند هذا الحد. ازدادت الانقطاعات الكهربائية حدة، وكانت الأسر اليمنية مطالبة بمواصلة الحياة، فأخذت تستبدل المراوح القديمة بالمراوح الاقتصادية، وتغير الثلاجات واللمبات، ثم كانت الخطوة الكبرى: شراء ألواح الطاقة الشمسية، مع منظمات من نوع راجي وMPPT، لتصبح هذه المصطلحات مألوفة في أحاديث الناس اليومية، وكأنهم مهندسو طاقة بالفطرة.


لكن الكهرباء لم تصمد، انهارت منظومتها بالكامل، لا ندري أكان ذلك بفعل فاعل، أم أنها كانت تحتضر وتوفت بهدوء. ومع هذا الانهيار، ظهرت تقنيات جديدة: بطاريات الليثيوم، الألواح الشمسية المتطورة، المنظمات الهايبر، المكيفات الانفرتر، ومكيفات الطاقة الشمسية التي تعمل بالنظامين المتردد والمستمر.


هل المواطن اليمني مواكب؟ بل هو في مقدمة الركب، دفع من مدخراته، بل استنزف دخله كاملاً ليواكب الانقطاعات ويحاول حل مشكلتها، بحثا عن الراحة ولو على حساب جميع الالتزامات الأخرى. معظم الأسر استدانت وتكبدت التكاليف كي لا يشعر الأبناء بحرارة الصيف القاتلة، أو يختنق الآباء المرضى دون تبريد.


بيوتنا اليوم، حين تدخلها، يخيل إليك أنها مركبات فضائية، من كثرة الأجهزة، واللوحات الكهربائية، والأسلاك المتشابكة كشبكة عنكبوتية تحاول أن تبقي على قيد الحياة. لا يوجد في العالم ما يشبهنا، ولا أحد عرف ما عرفناه من قهر البحث عن الراحة في منازلنا، وكأننا خُلقنا فقط لشراء ما تنتجه دول أخرى، على حساب مستقبل أولادنا وتأمين لقمة عيشهم اليومية.


إنه أمر يدعو للدهشة والقلق في آن معا. كل هذا ليس عبثا، بل مؤكد أنه مخطط له، أن نظل نلهث حول سبل العيش الكريم، في وقت تستمر فيه عجلة الاستيراد، وتنتج المصانع بلا توقف، يسوق الوكلاء، ويربح التجار، بينما يُمتص دم الفقراء وقوت يومهم دون رحمة ...

في زمن تُقاس فيه حضارات الأمم بمدى تطورها التقني، كان اليمني سباقا و مواكبا، بل بعزيمة لا تلين، لا حبا في الكمال، بل بحثا عن النجاة. إن ما يحدث في اليمن ليس مجرد قصة طاقة بديلة، بل ملحمة إنسانية فريدة، عنوانها "الصمود حين ينهار كل شيء".