آخر تحديث :الجمعة-13 يونيو 2025-07:19م

حين يحكم الحوثي بالنار وتتراجع الدولة بالصمت: قراءة في المشهد اليمني

الجمعة - 30 مايو 2025 - الساعة 05:17 م
عبدالعزيز الحمزة

بقلم: عبدالعزيز الحمزة
- ارشيف الكاتب


(ضمن سلسلة مقالات صرخة وعي، قراءه في استراتيجية التحفيز)


في اللحظة التي أعلن فيها رشاد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي، أن ميليشيات الحوثي هددت بقصف مطار عدن إذا لم تُعد الطائرة القادمة من سلطنة عُمان إلى صنعاء، شعر الشارع اليمني في المحافظات المحررة بطعنة عميقة في كرامته الوطنية.

لم يكن التهديد بحد ذاته مفاجئًا – فهذه عادة الحوثي – لكن المفاجأة كانت في مستوى الاستجابة الرسمية، الذي بدا أقرب إلى الامتثال القسري منه إلى الموقف السيادي.

لقد أصبح واضحًا أن الحوثي لم يعد يتصرف كجماعة متمردة، بل كقوة أمر واقع تُدير الدولة بطريقتها، وتفرض شروطها بصواريخها، وتنتزع التنازلات بلهجة النار. بينما في المقابل، تتراجع الدولة، وتلجأ للصمت، أو تبرر عجزها بالحكمة والمصلحة الوطنية، حتى أصبحت المسافة بين الفعل الحوثي ورد الفعل الحكومي مساحة شاسعة من الإهانة والاستسلام.

استراتيجية الحوثي: معادلة النار والسيطرة

على مدى عقد من الزمن، لم يغيّر الحوثي أدواته ولا أهدافه. هو لا يؤمن بالشراكة، ولا يعترف بالتعدد، ولا ينشد سلامًا حقيقيًا. كل ما يريده هو الهيمنة المطلقة على القرار والسيادة والهوية. ولتحقيق ذلك، اعتمد استراتيجية مركبة قائمة على استخدام العنف الممنهج لتحقيق المكاسب السياسية، مستفيدًا من ضعف الخصم وارتباكه.

مع كل جولة تفاوض، ومع كل مبادرة تهدئة، يخرج الحوثي بأرباح جديدة دون أن يدفع كلفة حقيقية. يستخدم الهدنة كفرصة لإعادة التموضع، ويُفعّل أدوات الضغط العسكري حين يحتاج إلى انتزاع موقف أو إملاء شروط. المطارات، الموانئ، الممرات البحرية، التجارة، والمفاوضات، كلها عند الحوثي أوراق ضغط وليست خدمات عامة أو قضايا إنسانية.

هذه عقيدة حرب متكاملة لا تحترم القانون الدولي ولا القرارات الأممية، بل تُراهن على إرهاب القوة وتراخي المجتمع الدولي، وتحديدًا هشاشة الموقف الداخلي للشرعية.

الشرعية: سلطة مُقيدة وإرادة مُشلولة

في الجهة الأخرى، تقف الحكومة الشرعية في موقفٍ بالغ الضعف، تفتقر إلى الإرادة الصلبة والرؤية الاستراتيجية. مع كل تهديد حوثي، نجد الدولة إما في موقف الدفاع، أو في حال تبرير، أو انتظار تدخل خارجي. قراراتها رهينة اعتبارات إقليمية ودولية، ومصالح ضيقة، وقيادات عاجزة عن صناعة القرار السيادي.

الشرعية اليوم تعاني من ازدواجية في القرار، وارتباك في إدارة المعركة، وانفصال عن المزاج الشعبي الذي ينادي بالحسم لا التفاوض. لقد تحولت كثير من مواقفها إلى ردود أفعال مرتبكة، بدلاً من أن تكون مبادرات تصنع الواقع وتُحدّد الاتجاه.

والأخطر من كل ذلك، هو أن الدولة لم تعد تمثل مشروعًا صلبًا لمواجهة الانقلاب، بل أصبحت في نظر كثير من اليمنيين شريكًا في إنتاج حالة اللاحسم.

لا تعايش مع الانقلاب.. ولا حل دون الحسم

إن أخطر ما تواجهه اليمن اليوم ليس فقط قوة الحوثي، بل قناعة خفية تتسلل إلى بعض الأروقة السياسية والإقليمية مفادها أن "التعايش مع الحوثي" خيار ممكن. هذه الفكرة هي الخطيئة الكبرى، لأنها تُنكر طبيعة المشروع الحوثي، وتغفل تجاربه في الاستفراد والإقصاء، وتُعيد إنتاج سيناريو "حزب الله" في اليمن، لكن بصورة أكثر دموية.

التعامل مع الحوثي لا يمكن أن يكون إلا من خلال استراتيجية الحسم، لا "إدارة التعايش". وهذا الحسم لا يعني فقط العمليات العسكرية، بل إرادة سياسية شاملة تنقل المعركة من الدفاع إلى المبادرة، ومن التراجع إلى التقدم، ومن الصمت إلى الفعل.

استعادة المبادرة: مشروع وطني لا يتأخر

إن الشرعية إن أرادت أن تستعيد كرامتها وهيبتها ومشروعها، فعليها أن تبدأ بخطوات جذرية:

تحرير القرار السياسي من حسابات الخوف والتوازنات المرهقة.

توحيد الجهد الوطني في جبهة واحدة عنوانها الحسم لا التفاوض.

تفعيل الأدوات العسكرية والأمنية والإعلامية والاقتصادية في معركة شاملة مع المشروع الحوثي.

تطهير مؤسسات الدولة من مراكز التردد والارتهان، ودعم القيادات الميدانية المؤمنة بخيار النصر.

لن تُحترم دولة تخضع لابتزاز عصابة

لا دولة تُبنى تحت تهديد الطائرات المسيّرة، ولا سلام يُصنع على أنقاض الكرامة الوطنية. إما أن تتحرك الدولة، وتُعيد تشكيل ميزان الردع، وتُعلن بوضوح أن زمن الخضوع قد انتهى، أو ستستمر في فقدان ما تبقى من شرعيتها ومكانتها ووجودها.

اليمن اليوم لا يحتاج إلى خطاب تهدئة، بل إلى مشروع تحرير سياسي وميداني وشعبي. مشروع يُفهم الحوثي أن النار لا يُقابلها الصمت، بل الحديد، وأن من يحكم بالقوة لا يُنتزع منه الحكم إلا بقوة أشد.

✍️عبدالعزيز الحمزة


الجمعة ٣٠ مايو ٢٠٢٥م