آخر تحديث :السبت-14 يونيو 2025-12:04م

عائلات تحت الركام: كيف حوّل الحوثي الأحياء إلى قنابل موقوتة ؟

السبت - 24 مايو 2025 - الساعة 12:21 م
عبدالجبار سلمان

بقلم: عبدالجبار سلمان
- ارشيف الكاتب


في فجرٍ قاتمٍ من فصول الحرب العبثية التي يعيشها اليمن، هزّ انفجارٌ مروّع منطقة صرف شرق العاصمة صنعاء، ليتحوّل حيٌ سكنيٌّ آمن إلى ساحة موتٍ وفوضى. الانفجار الذي وقع داخل أحد مخازن السلاح التابعة لميليشيا الحوثي، والمُخزّن عمدًا وسط التجمعات المدنية، أدى إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى، معظمهم من النساء والأطفال. مأساة صرف لم تكن ناتجة عن غارة جوية أو عمل عسكري خارجي، بل كانت نتاجًا طبيعيًا للسياسات المتهوّرة وغير الأخلاقية للميليشيا الحوثية، التي حولت الأحياء السكنية إلى ثكنات عسكرية ومخازن أسلحة. وسواء جاء الانفجار بفعل قصف، أو نجم عن سوء تخزين، أو بفعل خطأ بشري داخلي، فإن النتيجة واحدة: أبرياء يدفعون حياتهم ثمنًا لطموحات السلاح، وجثث تُنتشل من تحت الأنقاض دون أن يعرف أحد لماذا ماتوا. ليست هذه المرة الأولى التي يدفع فيها المدنيون الثمن. الحوثيون دأبوا على تخزين السلاح والعتاد الحربي في قلب المناطق المأهولة، دون أي اعتبار لأرواح من يسكنون حولهم. تتعمّد ميليشيا الحوثي منذ سنوات تخزين الأسلحة والذخائر الثقيلة في أحياء مأهولة، متجاهلة كل القيم الإنسانية والقوانين الدولية التي تجرّم استخدام المدنيين كغطاء حربي. المدنيون في مناطق سيطرة الحوثي لا يعيشون حياتهم الطبيعية، بل يعيشون كرهائن، يعلمون أن أي لحظة قد تكون الأخيرة إذا انفجر مستودع، أو مرّ صاروخ، أو وقع اشتباك. وفي الوقت الذي يعيش فيه السكان الخوف والذعر، تختبئ القيادات الحوثية خلفهم، وتتوارى في الأقبية، محاطة بالدروع البشرية من أطفال ونساء، ثم تخرج بعد الكارثة ببيانات باكية تتباكى على الضحايا الذين قتلتهم بأيديها، مباشرة أو عبر الإهمال والإجرام. الميليشيا التي ترفع شعار “الدفاع عن فلسطين” و”الكرامة”، لا تعرف للكرامة طريقًا، ولا تدافع عن أحد. كيف يمكن لمن يحفر الأنفاق لتخزين السلاح تحت منازل الناس، أن يتحدث عن شرف المقاومة ؟ كيف يمكن لمن يزرع الألغام بدلًا من الأشجار، أن يدّعي حماية الأرض والإنسان ؟ الحوثي لا يبني مدرسة، ولا يشيّد مستوصفًا، ولا يفتتح حديقة. بل ينشغل فقط بحفر المخابئ وبناء المخازن، يحوّل الأحياء إلى ساحات موت، ويحاصر أهلها بالخوف والفقر والدمار. حين تقع الكارثة، كما حدث في صرف، يُسارع الإعلام الحوثي لتصوير الضحايا كـ”شهداء العدوان”، متاجرًا بدمائهم، رغم أن الحقيقة الصادمة أن من قتلهم هو السلاح المخزّن فوق رؤوسهم، والساسة المتحصّنون في الجبال، الذين لا يبالون بحجم الرعب الذي يعيش فيه الناس في صنعاء، وعمران، والحديدة، وصعدة، وكل المناطق الخاضعة لسيطرتهم. القيادات الحوثية، التي تدّعي البطولة، لا تظهر إلا بعد أن تهدأ ألسنة النار والدخان، لتتاجر بدماء الضحايا، وتطلق خطابات الحزن المصطنع، وكأنها لم تكن السبب المباشر وغير المباشر في سقوط الأبرياء. في الوقت الذي يختبئ فيه هؤلاء القادة بين الأطفال والنساء، يتحدثون عن الشجاعة والكرامة والدفاع عن فلسطين، بينما هم عاجزون عن حماية اليمنيين أنفسهم من جحيم مخازنهم وألغامهم. مجزرة صرف لا يجب أن تُطوى كما طُويت سابقاتها. المجتمع الدولي، ومنظمات حقوق الإنسان، يجب أن تفتح تحقيقات جدية حول استخدام الحوثيين للمدنيين كدروع بشرية، وتخزين الأسلحة وسط الأحياء السكنية. هذه جريمة حرب مكتملة الأركان، لا تُغتفر ولا تُنسى. وما لم تكن هناك محاسبة وموقف حازم، ستتكرر الكارثة في حيّ آخر، في مدينة أخرى، لأن من لا يُحاسب، يكرر الجريمة. إن ما يحدث في اليمن ليس فقط حربًا بين أطراف، بل معركة بين الحياة والموت، بين من يريد بناء وطن، ومن يصرّ على تحويله إلى ساحة موت مفتوحة. ما حدث في صرف، هو تذكير صارخ بأن صمت العالم عن جرائم الحوثي، هو شراكة غير معلنة في مذبحة لا تنتهي.