تمر البلاد بواحدة من أعقد الأزمات الاقتصادية والنقدية في تاريخها الحديث، حيث انعكست آثارها مباشرة على قدرة الدولة في توفير الخدمات الأساسية، وعلى رأسها تشغيل محطات توليد الكهرباء في عدن ولحج وأبين، في ظل صيف قائض لا يرحم. هذه الأزمة لم تعد خافية على أحد، فقد دفعت المواطنين، رجالًا ونساءً، للخروج إلى الشارع احتجاجًا على تدهور الأوضاع المعيشية والخدمات الحيوية .
إن الأزمة التي نعيشها اليوم هي نتيجة تراكمات لا يمكن فصلها عن الاختلالات العميقة في هيكل الاقتصاد الوطني، والتي تبلورت بشكل حاد منذ توقف صادرات النفط في العام 2021. ومما فاقم من تعقيد الوضع هو استيلاء المحافظات على الموارد السيادية باستثناء العاصمة عدن تقريبا ، من ضرائب وجمارك، والتي كانت تغذي الحساب العام للحكومة في البنك المركزي، دون توريدها كما جرت العادة وفقا للقانون المالي والقوانين ذات العلاقة .
هذا الوضع أدى إلى اتساع فجوة عجز الموازنة العامة، إذ أن الحكومة المركزية ما زالت مطالبة بالوفاء بالتزاماتها الحتمية تجاه موظفي الدولة في جميع المحافظات، بما في ذلك تلك التي لا تورد إيراداتها، مما يضعف قدرتها على الاستمرار في توفير رواتب موظفي الدولة و تقديم الخدمات الحيوية، بل ويهدد استقرارها المالي والنقدي.
إن معالجة هذه الأوضاع ليست بالأمر اليسير، فالإصلاحات المطلوبة تتطلب توافقًا سياسيًا وطنيًا، وشجاعة في اتخاذ قرارات استراتيجية تعيد تنظيم العلاقة بين المركز والمحافظات، بما يضمن عدالة توزيع الموارد والالتزام بالموجهات العامة للمالية العامة للدولة.
من جهة أخرى، فإن نجاح رئيس الحكومة في مواجهة هذا التحدي مرتبط بشكل وثيق بمدى حصوله على دعم خارجي قوي ومنسق، ليس فقط لتمويل العجز، بل لتمويل عملية إصلاح اقتصادي شاملة تستهدف تعزيز الإنتاج، وتحقيق الاستقرار النقدي، وإعادة بناء الثقة في المؤسسات وفي المقابل يحتاج رئيس الحكومة إلى دعم داخلي واسع النطاق ومن كافة الفاعلين دون استثناء .
ولا شك أن البلاد اليوم أمام مفترق طرق، فإما أن تتجه نحو مسار الإصلاح والتعافي عبر حوار وطني يقود إلى استئناف صادرات النفط وتسوية الملعب مع المحليات المنتجة للنفط والغاز بالتوازي مع وجود دعم خارجي حقيقي وملموس يغطي فجوة الموارد الخارجية ، وإذا أما إذا تأخرت الإصلاحات الداخلية بالتوازي مع تأخر الدعم الاقتصادي بانتظار قرار سياسي كما يحدث دائما فإن البلاد ستشهد المزيد من تفاقم الأوضاع الاقتصادية. يحدث ذلك عندما يفقد الناس رواتبهم ويترافق ذلك مع ضعف أو توقف الخدمات كما يحصل الٱن فإن البلاد ستدخل في نفق مجهول خاصة مع ارتفاع منسوب الاحتجاجات الاجتماعية ممايهدد الاستقرار المعيشي والمجتمعي .
وبذلك فإن مفتاح الخروج من هذه الأوضاع يكمن في توفر الإرادة السياسية الجمعية لدى كافة الأطراف السياسية وتوحيد الرؤية عبر مواصلة عملية الاصلاحات الشاملة الاقتصادية والمالية والمؤسسية ومواجهة مداخل الفساد لكن هناك ضرورة لاعلان هذه الإصلاحات للناس بشكل شفاف لكي تحصل على دعم مجتمعي . بما في ذلك دعم اجندت رئيس الوزراء الجديد.ومن جديد بدون دعم اقتصادي حقيقي من قبل الأشقاء فإن من المستحيل مواجهة الأزمة .
في هذا السياق هناك حاجة لعقد مؤتمر اقتصادي يمني خليجي هذه المرة بالتنسيق مع الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي على أن يتم الإعداد له بعناية و توفر له البيانات اللازمة بشرط أن تتميز بالموثوقية العالية تلك التي تعكس بموضوعية طبيعة واسباب الاختلالات الاقتصادية بما في ذلك مايفعله مخرجات الفساد وتداعياتها المحتملة اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وأمنيا وأوجه المواجهه ووفق ذلك يهدف هذا المؤتمر إلى حشد الدعم الاقتصادي .
ولابئس أن تكون هناك ٱليه مرنة يتولى الأشقاء من خلالها الإشراف على استخدام هذه المساعدات التي يجب أن تؤمن التنمية المستدامة في اليمن لكن إلى حين يتم ذلك يحتاج الاقتصاد إلى دعم اقتصادي حقيقي عاجل .
20مايو 2025