عندما تضعف همة الرجال عن تحقيق المهام المنوطة بهم أصلاً ويعجزون عن تحقيقها لهذا السبب أو ذاك فبالتالي ستنتقل المسؤولية الى المرأة التي قد تنجح في تحقيق ما عجز عنه الرجال،
ولهذا يتم الاستشهاد بهذا المثل الذي جعلته عنوانا لمقالي هذا الأسبوع،
في عدن العاصمة المؤقتة للجمهورية اليمنية خرجن يوم السبت الماضي آلاف النسوة في تظاهرة حاشدة ووقفة احتجاجية مدنية حضارية مهيبة، كما هو معروف عن عدن وأهلها الذين قطعوا شوطاً كبيراً في هذا الجانب ولم يعكر صفو هذه التظاهرة سوى بضعة نسوة من ذوات الدفع المسبق متعددات الشرائح واللواتي تم الدفع بهن من قبل احدى المكونات السياسية في محاولة يائسة لإخراج التظاهرة عن الهدف المنشود الذي أقيمت من أجله وقد فشلن في تحقيق ذلك،
لإنّ الجمع النسائي الكبير لم يخرج أصلاً من أجل موقف سياسي بل خرج احتجاجاً على تردي الأوضاع المعيشية والخدمية التي تعيشها عدن أرضاً وإنساناً وفي مقدمتها الكهرباء والصحة والتعليم والمرتبات،
خرجن ليقلن للعالم أجمع لقد بلغ السيلُ الزُبَى فلم يعد لدينا مجالاً للصمت لأن الصمت عواقبه وخيمة والساكت عن الحق شيطان أخرس،
وحقيقة لا يتمادى الظلم والباطل والطغيان إلاّ بسب صمت أهل الحق،
الصور كانت تتحدث عن نفسها وتعبّر عن سوء الحال الذي وصلت اليه عدن وكافة المحافظات الأخرى،
فمجموعة من النسوة حملن الفوانيس القديمة ومنهن احدى مناضلات الحراك القديمات والتي يبدو بقي حالها كما هو بعكس بعض من أتين بعدها ممن حصدن المناصب والمكاسب،
ونساء أخريات لوّحن بالمراوح المصنوعة من سعف النخيل التي كانت تستخدم في الأرياف في العصور القديمة،
وهذه إشارة واضحة تقول أنّ عدن المدينة الجميلة قد تحوّلت الى قرية،
وكثير من اللافتات التي رفعت في هذه التظاهرة دلّت على رُقي وثقافة ووعي متأصلة في هذا المجتمع،
وهنا سأستشهد ببعض ما كُتِبَ في هذه اللافتات،
احدى الفتيات رفعت لافتة تبتهل فيها الى الله بالدعاء وقطعاً كثير ممن قرأها سيقول آمين،
فقد كتبت تلك الفتاة فيها:
(اللهم من خان عدن من أجل المال فأورثه الفقر،
ومن خان عدن من أجل منصبٍ فأورثه الذل والقهر،
ومن خان عدن من أجل خرابها فأجعله مشتتاً لا يأويه وطن)
وأخرى كتبت باللغتين العربية والانجليزية (نحن بشر مش أرقام أين الرواتب؟ أين الخدمات؟)
وأكثر من واحدة رفعت عبارات مكررة كهذه أو ما شابهها (كهرباء، ماء، تعليم، صحة، حقوق وليست مطالب)
وواحدة رفعت لافتة في الصميم أيضاً:
(تجار العملات مافيا تقتلنا)
ولنا أن نتخيل بلد يعاني كلُّ ذلك وأكثر من المصائب والويلات بينما محلات الصرافة تزداد كل يوم فأصبحت أكثر من البقالات وأكثر من مخابز الرغيف!!
وامرأة أخرى رفعت لافتة ورقية بحجم طولها تقريباً وكتبت عليها (أين الكهرباء يا حكومة يا .... الوطن أنتم مسؤولون أمام الله نريد تعليم أولادنا بأمن وأمان من أجل جيلٍ يبني الوطن)
وامرأة لم تجد ورقة لتكتب عليها فأحضرت معها غطاء المكيف وكتبت عليه (نريد كهرباء)
وأما احدى الفتيات فقد أخرجت ضفيرتها وامسكتها بيدها اليمين وباليسار كان معها مقصاً، فقلت لمن أرسل لي الصورة ما المقصود بذلك؟
فقال: انها إشارة الى الحاجة الشديدة والتعب، وأنها سوف تفدي نفسها بقص جزء من شعرها، وهو ايحاء الى أن الوضع وصل الى اسواء صورة، وأنها سوف تتبرع بشعرها لتوفير الكهرباء، انتهى كلام صاحبي حسن، ولن أذكر اسمه حتى لا نفقده كما فقد احمد مطر صاحبه حسن،
وكثير من العبارات الأخرى لا يتسع المقام لذكرها لكنها تعطي انطباعاً ان كل أولئك النسوة سواء كنّا صغاراُ أو كباراً فهن مثقفات متعلّمات مُربيات ومتربيات ومن بنات أسرٍ كريمة ولولا واجب الوقت وتأدية الرسالة وبصيص الأمل بأن جهدهن هذا قد يثمر لمصلحة الوطن والمواطن وإلاّ لما خرجن من بيوتهن،
ختاماً للتأمل فقط:
أن أسلاف المعذبين الجدد لعدن قد أخرجوا النساء ذات يوم ليرفعن شعار (واجب علينا واجب حرق الشيذر واجب وتخفيض الراتب واجب)
وهاهن حفيدات من عشن ذلك الزمن يخرجن بكامل حشمتهن وحجابهن ليقلن لأحفاد أولئك (فأمّا الزَبَدُ فيذهبُ جُفاء) وستبقى المرأة العدنية شامخة قوية تتحدى كل الصعاب.