سؤال يطرحه اليمني كل صباح حين يفتح عينيه على وطنٍ تتنازعه الحرب والفقر والحنين، وتخنقه الحيرة.
كم تبقى من الوطن؟ من الكرامة؟ من الروح؟ كم تبقى من الطفولة التي تاهت في زحام البنادق، ومن المدارس التي أُغلقت، ومن البيوت التي ضاعت بين النزوح والخراب؟
اليمن لم يعد كما نعرفه، ولا كما كان يحلم به الآباء.
صار خريطةً ممزقة معلقة على جدارٍ قديم، تنظر إليها فتقرأ أسماء المدن لا كما عُرفت بالتاريخ والحضارة، بل كما سُجّلت في نشرات الأخبار: تعز الجريحة، الحديدة الخائفة، صنعاء الصامتة، وعدن المرهقة.
كل مدينة تحمل ندبة.
كل شارع له حكاية دم.
ومع ذلك، لا تزال الأرواح تقاوم.
في قلب هذا الألم، يُولد شيء يشبه المعجزة: أطفال يذهبون للمدرسة رغم الطرق المقطوعة، فنان يرسم جدارياته في حيٍّ مدمر، امرأة تبيع الخبز على الرصيف لتُطعم من تبقى، وطبيب يداوي المرضى في مستشفى بلا كهرباء.
اليمن، كما عرفناه، ينهار ببطء، لكنه لا يسقط بالكامل.
فيه عزم غريب، كأنما تربّى هذا الشعب على البقاء في عين العاصفة دون أن ينكسر.
من الخارج، تُختصر القصة في مشهد سياسي أو تقارير إغاثة. لكن الحقيقة أعمق.
اليمن اليوم ليس مجرد أزمة إنسانية.
هو مرآة لإنسان فقد دولته، لكنه لم يفقد ذاته.
في الشارع، في السوق، في المساجد، في البيوت، ترى شعبًا يحاول أن يعيش... لا يطلب المستحيل، فقط يريد العادي: كهرباء، ماء، أمان، دولة تحميه لا تؤذيه.
السؤال الذي يهمس به كل يمني لنفسه قبل النوم: "كم تبقى؟"
ليس عن الوقت، بل عن القدرة. عن الصبر.
عن الأمل.
كم تبقى من الحلم؟ من الكبرياء؟ من الشرف؟
لكن السؤال يحمل في طيّاته وعدًا: طالما ما زلت أسأل، فأنا لم أستسلم بعد.
هذا هو اليمن: أرضٌ مثقوبة بالألم، لكنها مزروعة بالأمل. قد لا يسمع العالم صوته الآن، لكنه يومًا ما سيتحدث، لا كضحية، بل كدليل على أن الحياة، وإن تكسّرت، تستطيع أن تنهض من بين الركام، أكثر إشراقًا.
فكم تبقى؟
ربما يكفي لنصنع معجزة صغيرة... اسمها: اليمن.
الكاتبة سناء العطوي