آخر تحديث :الجمعة-13 يونيو 2025-07:19م

أحلام مؤجلة

الأحد - 29 نوفمبر 2020 - الساعة 02:35 م
رستم عبدالله

بقلم: رستم عبدالله
- ارشيف الكاتب



تقاطرن من كل حدب وصوب نحو صالة العرس، التي كانت تصدح باغاني أفراح صاخبة، لفرقة شعبية مشهورة على مستوى المدينة فقط، كلمات الاغاني عامية ركيكة مبتذلة سطحية لاترقى لادنى مستويات الشعر الغنائي أو الفن لكنها، مرغوبة ومطلوبة لدى العامة،
عبايات سوداء جديدة ولامعة تختبي تحتها أجساد فاتنات بكامل اوبهتها وزينتها تظهر اسفل تلك العبائات. اطراف ثياب ملونة جميلة وزاهية ولامعة لهن الاخضر والاصفر والاحمر والازرق. عيون نجلاء واسعة غارقة في الكحل والاثمد وانامل بيضاء وسمراء ناعمة بنقش حناء أحمر فاتح وخضاب أسود حالك وطلاء اظافر متعدد الالوان، يستمر سيل النسوة المتبرجات الجرار بالتدفق على صالة الافراح الشاسعة يقبلن راكبات للسيارات الفارهة والمتهالكة وحافلات الركاب وآخريات راجلات، الساعة الآن تشير للخامسة عصرا، ومازالت عزيمتهن واعدادهن لم تفتر و تنقص مذ قرابة الثلاث ساعات بل كل ما تاخر الوقت يزداد عددهن.
على باب الصالة تنتصب إمراتان حازمتان، بملامح جادة وصارمة على النقيض تماما من تلك النسوة المتانقات،تفتشان النسوة وحقائبهن وما يحملن جيدا ويمنعن دخول الاطفال.
أم حامل بزينة بسيطة وبيدها طفلين تتوسل إليهن ان يسمحن لها بالصعود مع طفليها تلتمس عطفهن تشرح ظرفها، دون جدوى تعود خائبة ومنكسرة مع طفليها، تقبل نساء كبيرات بالعمر ايضا بزينة لا تتناسب وأرذل عمرهن يحملن. نارجيلة التدخين والفحم وعدة التدخين لزوم الكيف وقضاء عرس ممتع يسمح لهن بالدخول.
منظر. الصالة من الداخل خانق، ضاقت الصالة ذرعا بالنسوة لا تجد شبرا تضع به قدميك، مهرجان نسوي بحت ضخم بمعنى الكلمة،تشرع النسوة اول ما يتخطين عتبة الصالة بسلخ العبايات من على اجسادهن اللدنة، وهن على السلالم وفي الممرات ووسط الصالة،كأننا أمام مسلخ كبير، لتظهر الاجساد البضة والرطبة تصهل تحت ملابس مثيرة ومغرية وقلة محتشمة لنساء. جميلات ودميمات ومتوسطات الجمال عازبات ومزوجات وأرامل ومطلقات وعوانس ومسنات، خليط متجانس شهي و عجيب، من كائن المرأة المبهر، رغم ازدحام المكان وامتلائه عن بكرة أبيه وبحاجة تلك الجموع الغفيرة الماسة لمساحات فارغة إلا إنهن لا يفرطن بحلبة الرقص المقدسة. ويعطينها الفراغ المناسب للتباري بالرقص، حيث لا يتوقف الرقص بتاتا وكل ما تعبت لمة من الرقص يدفعن مزيدا من حطب الفاتنات لتستمر نار الاثارة والنشوة في الاستعار الصخب يعلوا المكان، رغم أن الايام أيام شتاء قارس والجو بارد لكن اعدادهن المهولة حوّل الصالة لاتون حار ولا هب وبدأ العرق يتساطر من اجسادهن ويختلط بالماكيير ويرسم خطوط سوداء وملونة تتدفق على النحور والصدور، فشلت اجهزة التبريد في كبح تنزيه، كانت المرأة الداخلة للصالة تدخل كليمونة طازجة وتخرج منها(عُشار) ( مصطلح شعبي يطلق ع الليمون عند نقعه بالخل )
كانت قاعة الاعراس غارقة في نشوة وفرحة طافحة تناست معها النسوة اوجاعها والامها. واتعابها جراء التدافع والازدحام والقرفصاء والدخان الخانق المتصاعد من عدد من النارجيلات المنتصبة ولفائف التبغ لبعضهن
يستغرب المرء هناك نساء فقيرات حضرن العرس بكامل زينتهن بملابس فاخرة ولاعجب فقانون الاستعارة للملابس والمجوهرات عُرف جرت عليه العادة في هكذا مناسبات وعن طيبة خاطر بشرط المحافظة واعادة العارية بوقتها المحدد، بالرغم من جو الفرح البهيج المتجلي والسائد إلا إنك تلمح في صالة الأعراس ملامح حزن وقهر وغبن تشوب وجوه الفتيات العانسات، تتوجع لحالهن يوجعك قلبك، وهن يتطلعن بعيون متحسرة ساهمة وحالمة لمنصة العروسة
لم تكن مناسبة الحضور للعرس في الصالة فقط هي من أجل الفرح فقط
كانت أشبه تماما بالاسواق الاسبوعية التي تقام في بعض مدن اليمن حيث يحج إليها المشترون، و الباعة والمزارعون وأصحاب الماشية واصحاب الحرف لبيع بضائعهم، كانت الصالة كذلك حيث تجلب الامهات ايضا بناتهن في كامل زينتهن وتبرجهن وقد فرضين عليهن نظام صارم مدروسة بعناية ودقة يجمع بين الأدب الجم وتوقير الكببيرات والاحترام مع إبراز أنوثتهن بشكل مدروس بين الاثارة والاحتشام، ويلزمن حسب جدول بذاكرة الأمهات بالمرور والقاء التحية والسلام على كل الامهات اللاتي لديهن أولاد بسن الزواج،
وغالبا ما كانت تتم. اتفاقيات مشاريع خطبة وزواج تحت التجربة والفحص لاتكن قطعية، ولكن غالبها كللت بالنجاح على مر حفلات الأعراس السابقة، كذلك نجحت حفلات الأعراس هذه في إعادة كثير من المياه لمجاريها بين الازواج المتخاصمين، ورد نساء حانقات لأزواجهن، وإصلاح خصومة جيران متخاصمين.
على أن المرحلة الاكثر صعوبة في صالات الافراح هذه كانت كيف تسوق وتروج للمرأة المطلقة والتي حضرت لاعادة التدوير لتحضى بفرصة أخرى ناجحة والعانس التي حضرت العرس ايضا لأجل أن تلحق قطار العمر السريع الذي يتسرب من بين سنوات عمرها
في هذه الحالة لاتعدم الأمهات حيلة يلجئن لمصدرين تسويقين وخطين هجوميين هامين خط الهجوم الأول:-
الخطابات ذات الخبرة والباع الطويل في هذا المضمار
خط الهجوم الرديف:- صديقات الفتاة العانس ليعضدن ويؤزرن
الخطابة التي تحفظ عن ظهر قلب كل الامهات اللاتي حضرن للتبضع والتسوق زوجات لاولادهن
كان وحش العنوسة الذي يقعر باعماق كثير من الفتيات شرسا مخيفا رسم كثير من تجاعيده على الوجوه و يبدوا واضحا وجليا على كثير من الشابات. وكان هما ثقيلا يجثم على صدور الامهات، وينهشهن بوحشية، نسبة ضئيلة جدا جدا أفلحن وازهرت السعادة في قلوبهن التي كادت تشيخ، ربما كان عامل السن والحرج الشديد والتلهف والشوق العارم الذي يعربد في نفوسهن و بلغ الحلقوم الممزوج بعزة نفس وخجل، حيث كانت البنت العانس عندما تتقدم لتحية إحدى الامهات التى حددت كهدف تتمنى الارض تنشق وتبلعها. يتقدمن، بقوى خائرة، واليأس رفيقهن، وقد تطايرت وتبخرت الكلمات الدروس التي حشيت بها عقولهن من الامهات والاخوات والصديقات تذوب أحلامهن وتسيح مع العرق الذي يغرق الصالة
لتبقى أحلامهن. حبيسة ومؤجلة و ليستمرن يترصدين عُرس قادم وحفلة أخرى تبدد مخاوفها ويننفضن غبار الخوف على أمل إقتناص قلب حماة المستقبل
رستم عبدالله